الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحيط البرهاني في الفقه النعماني
.مقدمة المؤلف: الحمد لله خالق الأشباح بقدرته، وفالق الإصباح برحمته، شارع الشرائع بفضله، ومبدع البدائع بطوله، منزِّل الكتب على الأنبياء، منشئ الشهب في السماء، مالك الرقاب....، رافع العلم ومن يليه وواضع الجهل ومن يليه، أرسل الرسل حجة على الجاحدين، وختم باب الرسالة بنبينا خاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين.قال العبد الضعيف الراجي لفضل الله، الخائف من عدله، المعتمد على كرمه محمود بن الصدر الكبير، تاج الدين أحمد بن الصدر الشهيد، برهان الأئمة عبد العزيز بن عمر: إن معرفة أحكام الدين من أشرف المناصب وأعلاها، والتفقه في دين الله من أنفع المكاسب وأزكاها، فحوادث العباد مردودة إلى استنباط خواطر العلماء ومداركهم، مربوطة بإصابة ضمائر الفقهاء قال الله تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 83]، وكفى العالم شرفًا أن يُحشر يوم النشور مغفورًا، ويُرى سعيه الجميل في العقبى مشكورًا قال عليه السلام: «يبعث الله تعالى العباد يوم القيامة، ثم يبعث العلماء، ثم يقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم»، وكفى العالم شرفًا أن بين درجته ودرجة الأنبياء حرفًا واحدًا، قال عليه السلام: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»، وقال عليه السلام في صفة أمته: «هم فقهاء كأنهم من العلم أنبياء»، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورضي عنهم صابرين على التعلم والتفقه في الدين، ولذلك صاروا مقتدى للعالمين، قال عليه السلام: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فحفظوا رضوان الله عليهم ما نشر رسول الله صلى الله عليه وسلّم من درر الآثار، ونصبوا قواعد الفوائد لمن بعدهم من الأخيار، ولما انقرض الصدر الأول من الصحابة، ومن بعدهم من التابعين قام ينصر هذا الدين الإمام الأعظم سراج الأمة ومنهاج الملة هادي الخلق وناصر الحق أبو حنيفة وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، فهم الذين حدوا ديباجة الشريعة بحدها ومهدوا قواعد الملة الزهراء تمهيدًا، فصوروا المسائل تصويرًا، وقرروا الدليل تقريرًا، فمضوا إلى رحمة الله وموائد فوائدهم منصوبة للأنام، وساروا إلى المنازل الموعودة وآثارهم باقية إلى يوم القيامة، ثم من بعدهم من علماء الملة بالغوا في شرح المعضلات، وجَدّوا في كشف المشكلات، وصنفوا الكتب تصنيفًا، ورصفوا النوازل ترصيفًا، ولم يزل العلم مورثًا من أول ومنقولًا من كابرٍ إلى كابر حتى انتهى إلى جدود وأسلاف السبعة، تغمدهم الله بالرحمة والرضوان، فكلهم رضوان الله عليهم أجمعين شرحوا ما بقي من الفقه مجملًا وفتحوا ما ترك مقفلًا، فمصنفاتهم متداولة بين الورى يستعان بها عند القضاء والفتوى (على) ما ترك، وقد وقع على رأيي أن أتشبه بهم بتأليف أصل جلل يجمع جمل الحوادث الحكمية، والنوازل الشرعية ليكون عونًا حال حياتي وأجرًا حسنًا بعد وفاتي، فقد قال عليه السلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»، وذكر من جملتها علمًا ينتفع به. وقد انضم إلى هذا الرأي الصائب التماس بعض الإخوان فقابلت التماسهم بالإجابة، وجمعت مسائل (المبسوط)، و(الجامعين)، و(السير)، و(الزيادات)، وألحقت بها مسائل (النوادر)، والفتاوى والواقعات، وضممت إليها من الفوائد التي استفدتها من سيدي ومولاي والدي تغمده الله بالرحمة. والدقائق التي حفظتها من مشايخ زماني رضوان الله عليهم أجمعين، وفصلت الكتاب تفصيلًا، وحللت المسائل تحليلًا، وأيدت بدلائل عول عليها المتقدمون واعتمد عليها المتأخرون، وعملت فيه عمل من طب لمن خب، ووسمت الكتاب بالمحيط، وتوقعت ممن ينظر فيه وينتفع به مدة حياتي أو بعد انقراضي أن يدعو لي بأن يتقبل الله في دينه جهدي، ويجعل كتابي هذا نقلًا من ميراثي وقد لا يصرف به وجهي عنه، نستعيذ من ردة. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هو حسيب عباده ونعم الحسيب.
|